الرئيسية / متفرقات / فضاء حر / زيارة في أرجاء زغوان الأندلسية

زيارة في أرجاء زغوان الأندلسية

زغوان … مدينة تونسية بروح أندلسي :

وأنت تخطو في أزقة المدينة العتيقة وبين جدرانها العالية المتكونة من قطع حجرية متناسقة رصفت واحدة جنب أخرى بأيادي ماهرة تتقن ما تفعل وتبدع في ذلك، يمكن لك أن تشتم رائحة الأصالة وعبقها الذي ينفذ شذى وعطور فواحة كأنها حملت على جناح طير مهاجر أو إمطتت لجج البحر الواسع لتستقر في هذه المدينة الخلابة ببعض من السحر وفتنة عطر وكثير من الحنين والاشتياق قادمة … من بلاد بعيدة…أرض الأندلس.

مع فلول المهاجرين الأندلسيين (المورسكيين) الذين أصدر في حقهم قرار الطرد من قبل ملك اسبانية “فليب الثالث ” بضغط من الكنيسة الكاثوليكية و محاكم التفتيش في سنة 1609 ، وصل جمع غفير من أهل تلك الأرض الطيبة إلى البلاد التونسية

حاملين إرثا من الحضارة والرقي و الأدب وأصول الفقه و المعارف في مجالات عديدة ليستقروا في أماكن و مدن عديدة من البلاد التونسية ربما شابهت في مناخها و طبيعتها الجغرافية بعض مدنهم في أرض الأندلس نذكر منها للذكر لا الحصر مدن تستور وقرمبالية، تركي، سليمان، السلوقية …. و زغوان موضوع حديثنا في هذا المقال .

زغوان مدينة تونسية بنفحات أندلسية :

زغوان مدينة يفوح منها شذى عطر أندلسي، رائحة زهرة النسرى التي تتسلق الجدران لتعلو النوافذ والأبواب مضيفة بلونيها الأبيض والأصفر واخضرار أوراقها لوحة طبيعية ساحرة، تلك الزهرة العصية التي رفضت أن تزهر أو تنمو في تربة غير تربة مدينة زغوان التي تفردت بزراعتها وحدها حتى اشتهرت بها و هي التي أتت مهاجرة مع الأندلسيين من أأاارض الأندلس و شاركتهم محنة التهجير ووجع الغربة و ألم الفراق لتنمو ثم يتم تقطيرها لتضاف إلى عطر كعك الورقة الأندلسي الذي اشتهرت به المدينة وذاع صيته ليفوح عبقه  في جميع أرجاء البلاد .

لا يدخل أهل الأندلس بلادا وهذا معروف عنهم إلا وعمرّوها وأضافوا إليها لتخلد بصمتهم في أرضها وعلى جدرانها فأقاموا المنازل وشيدوا الجوامع والحمامات العمومية في محاكاة جميلة وفنية مبدعة للعمارة الأندلسية بأرضهم الأصلية، ونجد بالتالي نفس الهندسة المعمارية والزخارف الحضارية بجوامع ومساجد مدينة زغوان كجامع السوق بالمدينة العربي.

وأنت تعبر أحد الشوارع الضيقة يجذب سمعك صوت الماء الموسيقي ينساب من سبيل في مدخل الشارع على يسارك تمام، ولا تندهش من كثرة سبل المياه الموزعة هنا وهناك في مدينة عرفت أصلا بمياهها وعذوبتها والتي اشتق اسمها من الماء الشئ الذي استغله الوافدين الجدد (الأندلسيين) في الفلاحة والزراعات السقوية بالمنطقة.

في زغوان تطالعك نقوش وزخارف ذات طابع أندلسي على جدران ولافتات المحلات في الشوارع وفي سبل المياه المنتشرة في العمارة الأندلسية وصوامعها المنتصبة في محابس الزهور المعلقة على الجدران التي تحتفي بها. في وسط مدينة زغوان توجد أزقة عديدة تشعرك كأنك في حضرة قرطبة وأناس أبدعوا فجعلوا من منفاهم الجديد أندلس أخرى حتى و لو شكليا أو ظاهريا، حيث أنّ روح الأندلس كانت تسكنهم وتداعب حنينهم وشوقهم إليها. في مدينة زغوان، هنا احتفى الأجداد و عمروا و هنا صان الأحفاد وحافظوا على ارثهم الأندلسي و جعلوا إسمها يرن في الأذان و يلهج به اللسان حتى لا ينقطع الذكر ولا حبل الود والوصل.

عن لمياء بن عون

شاهد أيضاً

مبادرة إحياء يوم الشهيد الفلسطيني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *